برشيد نيوز:ذ .طهير الجيلالي
بعض الأوروبيين ممن قضوا جزءا مهما من حياتهم ببرشيد، بقيت أسماؤهم مخلدة في التاريخ، وإن كانوا ليسوا من المسلمين، حيث لا يزال معاصروهم يتحدثون عنهم بلغة التفاني في العمل ونكران الذات، كان لهم ضمير، وكانت لهم قيم ومبادئ وأخلاق.
هو طبيب فرنسي حاز على الدكتوراه في الطب سنة 1924، بتقديمه لأطروحة، لا تزال لحد الآن معروضة في أسواق الكتب الطبية، بعنوان: "مساهمة في دراسة التقيحات الغازية التلقائية للثمامات الكبدية".
تزوج الدكتور أدريان دولامار من السيدة إيليزابيت ديبري، مهندسة كيميائية، بكنيسة سان فانسان بمدينة روان Rouen,، مقاطعة السان ماريتيم، لجهة النورماندي العليا، بشمال غرب فرنسا، سنة 1931. وهي المدينة التي سماها فيكتور هيكو : " مدينة المائة جرس كنائسي". Rouen, la ville aux cent clochers, comme l’appelait Victor Hugo.
كان للدكتور دولامار أخوين اثنين ، أحدهما مارسيل مات في ساحة الشرف بالحرب العالمية. وكانت تعرضت مدينة روان للاحتلال النازي خلال أربع سنوات، دامت من 1940 إلى 1944. وقصفت خلال "الأسبوع الأحمر" ب 400 قنبلة، تزن كل واحدة طنا من المتفجرات، خلفت 2000 ضحية وتشريد 40.000 شخص.
عين أدريان دولامار طبيبا للمستشفى الأهلي ببرشيد في مطلع الثلاثينات، وحصل على الميدالية البرونزية سنة 1930، قبل تعيينه خبيرا مقبولا لدى محكمة الاستئناف والمحاكم المغربية سنة 1952. عاش الجزء الأكبر من حياته بمدينة برشيد ، وتركها عجوزا سنة 1967.
ولما كان يضع فوطة حول عنقه و يتجول في الشارع والجو حار، سأله أحد المارة: " علاش تدير الفوطة والحال سخون مسيو لامار؟ فاجابه: " أنا شيباني أنا". أنجز الدكتور دولامار عمليات جراحية خطيرة أنقدت عشرات الأرواح، من أشهرها العملية التي أجراها للمدعو أحمد الدكالي، من سكان القيسارية.
خلال فترة من التاريخ، تم فرض العزل على المصابين بداء الكوليرا في منطقة عبارة، على أرض لا تزال تحمل اسم " بلاد بوكليب"، في ملكية أولاد الشيخ ولد الركيك. وكان الدكتور دولامار يجد مشكلا مع سكان دوار الدرانة بسبب عدم احترامهم التوجيهات الطبية، فكانوا يذهبون إلى السوق الأسبوعي، غير عابئين باحتمال الإصابة بالعدوى الناجمة عن الاختلاط.
من أطفال ذلك الزمان، وهم اليوم تتجاوز أعمارهم الستين سنة، الدين يتذكرون عمليات قام بها الدكتور دولامار لفائدتهم، الحاج عبد الله عفري والحبشي عبد السلام، من أولاد القيسارية.
قال دولامار لوالد هدا الأخير: " يمشي لا مار ما يبقى والو ...والو .... أنجب الدكتور دولامار ثلاثة أطفــال ببرشيد وهم: فرانســواز، مونيك ، والدكتور إبف ، الطبيب المختص في جراحة العيون.
توفيت مونيك في عمر الزهور سنة 1936 أثناء زيارة عائلية لمدينة روان، وتوفيت فرانسواز مؤخرا في شهر أبريل 2014، وكانت اشتعلت مدرسة بالمدرسة الإسلامية ببرشيد. لكل إنسان، في ثنايا دفاتره، قصص وحكايات وأحداث يومية تشكل تاريخ هذه المدينة المستعصي عن الكتابة.
مأزق مثقفي برشيد أنهم يحكون ولا يكتبون. قال لنا أحد أبناء الممرض السي أحمد الجوالي نقلا عن المرحومة والدته، أن أباه كان ذات مرة، ملزما بالاشتغال في الديمومة المصادفة ليوم عيد الأضحى.
فلم يذهب إلى العمل، وبقي في المنزل لنحر الأضحية. لكن الطبيب دولامار جاء واصطحبه إلى المستشفى، وهو يقول: " ضع نفسك مكان أي مريض يأتي خلال يوم العيد إلى المستعجلات ولا يجد من يقدم له الإسعافات الضرورية".
تم تعيين السيد أحمد بن محمد بن الفقيه الجوالي كممرض بالمستشفى الأهلي سنة 1948، و يرجع الفضل إلى الدكتور دولامار في تدريبه على التخدير للمساعدة على القيام بالعمليات الجراحية، وكان يحثه على التعامل مع المريض كأخ وليس كمريض.